الحلقة النقاشية
 
“العلاج النفسي بين أصالة الماضي و أبداع الحاضر ”

4/ آب / 2004م
   
    في إطار سلسلة النشاطات التي يقوم بها مركز البحـوث النفسيـة و منذ تأسيسه عقد مركز البحوث النفسية حلقة نقاشية “العلاج النفسي بين أصالـة الماضي و أبداع الحاضر” في أطار خلق ثقافة نفسية أصيلة تنبع من حاجـة المجتمع و التطورات الحاصلة في الميدان .
لما يشكله الجانب النفسي في الحياة الإنسان بعدا مهما في تكوينه ، فضلا عن البعد المادي و الروحي ، فقد كان لماضي الأمة خطوات متقدمة بحاجـة إلـى معرفة الجيل المعاصر عليها لتكون تواصلا و امتدادا لإبداع الحاضر في تأسيس رؤية جديدة نحو هذه الموضوعات التي لم تنل الاهتمام الكافي .
 
استهلت الحلقة النقاشية بترحيب بالمدعوين من قبل رئيس الحلقة الأستاذ المساعد الدكتور غسان حسين سالم معاون المدير العام للمركز .
وقد تضمنت الحلقة :ـ
أولا :ـ محاضرة ألقاها الأستاذ الدكتور الحارث عبد الحميد حسن المدير العام للمركز تحت عنوان ” العلاج النفسـي بين أصالة الماضي و أبداع الحاضـر ”
وقد تضمنت المحاضرة معطيات فكرية ونفسية أصيلة حيث تم خلالها أبراز عدد من المفاهيم المهمة التي لم ينتبه إليـها في معالجة موضوع العلاج النفسـي و لاسيما من المنظور العربي .
1.    طب الأخلاق و العلاج النفسي .
إذا أطلق على العلاج النفسي في تاريخ الفلسفة بـ( طب التهذيب ) ( هندسة الأخلاق) إذا طرح سؤال من هم رواد طب الأخلاق ؟
                        ‌أ-        الكندي :ـ وهو فيلسوف العرب و أول فيلسوف في مسائل النفس إذا يتبع جالينوس في توضيح ماهية النفس الإنسانية و أنواعها و يبتعد عن أرسطو ويرتبط بأفلاطون ارتباطا مباشرا ( خاصة فيمـا يتـعلق بتشريح الدماغ ) كتب الكندي رسالة بعنوان ” الحيلة بدفع الحزن ” و المقصود بالأحزان هي الإمراض و المطلوب الشفاء بدفعها ، ويتحدث فيها عن الوقاية من أسبـاب الحزن و (الحيلة) هي إن العـلاج في الحزن وذلك بتذكر الأحزان كي تكون وسيلة لتخفيف القلق و التوتر فينا ، كذلك فأن الإصابة بالمرض فأن ذلك قسرا و ليس من خيـار الإنسان .
                     ‌ب-      الرازي :ـ (250هـ الولادة ـ 320 هـ الوفاة ) له كتاب “مقدمة في الطب الروحاني رسالة في إصلاح الأخلاق ” تمثل حالة المـرض فأن الأخلاق فضيلة و إصلاحها هي العلاج ، ويشيـر إلى إن الطـب الروحاني هو قرين للطب الجسماني ، وان الأخلاق مـوجه لمعالجة النفس يعتمد على النظرية الافلاطونية في العلاج ، أذان له كتـابات عن النفس و حددها بثلاث قوى (الشهوانية ، الغضبية ، العاقـلة ) ، فالشهوانية تعتمد على كل ما يحقق اللذة و الشهوة للفرد، والغضبية تمثل حالة الغضب والتوتر عند الفرد ، والعاقلة وتمثل الحكمة التـي تحاول إن تعادل وتوازن بيـن الشهوانية و الغضبيـة ، وان صـحة النفس تعتمد على وجود تـوازن بين هذه القوى ، أذان مهمة النفس العاقلة هي ( قمع أو كبح جنوح النفـس الشـهوانية ) أذان اغلـب ( الأعمال العدوانية ) نتيجة النفس الشهوانية وان حالة عدم التوازن نستطيع لمسها في واقعنـا الحالي الذي يعيش فيه مجتمعنا الحديث ، وبهذا فأن نظرية الرازي لم ترتقي لها نظرية التحليل النفسي ، ولـه نظرية في الخوف من الموت .
                      ‌ج-      ثابت بن سنان :ـ وهو حفيـد أبو الحسن ثابـت بن قرة الحرانـي المتوفى سنة (228 هـ ) والده سنان بن ثابت الذي كلف من قبـل الخليفة الراضي ببناء مارستان ببـغداد ، واعتنى بالسجون فخصص أطباء للسجـون ، اهتم ثابـت بن سنان بـ (طب الأخلاق ) إذ قـام أخلاقه إضافة إلى معالجة بدنه وذلك بطلب من الخليفة ، واشار إلى معالجة (الغضب و الغيض) والتـي عدها من اخطر الإمـراض التي يجب إن يعالج منـها الحكام ، وان العلاج ضرورة التخلق بضديهما (العفو و الصفح) التـي هي من المصطلحات المهمة التي لابـد إن نثقف أنفسنا بها ، وقد ألف ثابـت بن سنان كتاب “تهذيب الأخلاق ” نحو سنة (295هـ) وفيه يذهب بمدى ابعد ما نجد عند جالينوس و الرازي وانه يتحدث في كتابه عن علم الأخلاق وعن الطب النفساني بوصفه علما ضروريا وأكثر ضرورة و أهمية من الطب الجسمانـي نفسه ، وقـد قسم النفس إلى (النفس العاقـلة وهي المـوجودة في الدماغ ) و(النفس الشهوانية الموجودة في القلب) و( النفس الغضبية الموجودة في الكبد و السوائـل التـي تفرز عنه ) وقد أشار إلى إن الطب الروحانـي ليـس له علاقة بـالروح ,أذان الروح هـي مـن اختصاص الفلسفة ، وقد أشار في كتابه إلى دور الأمـراض النفـس جسمية ، وتحدث عن الأخلاق الممدوحة و المذمـومة و علاقة كـل منها بالأنفس الثلاث فضلا عن دور العائـلة في تكوينـها ، ويختتم كتابه بتوجيه نداء إلى الحكام بإنشاء مارستان لتعليم تهذيب الأخلاق وهي دعوة متقدمة في هذا الميدان سبق إليها الطب المعاصر في هذا الميدان . 
                  ‌د-       ابن الهيثم :ـ كتاب في تهذيب الأخلاق و هندسة الأفكار و فضائـل النفس إذ تعد هي الأساس في صحة الفرد النفسية في حالة اعتدالها وإذا اختلفت أصبحـت مرضا ، إذا أشار إلى  إن ( العفة، القناعـة ،الحلم ،التصوف ، الوقار، الود و المحبة المعتدلة ، الرحمة ، الوفاء ، الأمانة ، التواضع ، البـشر (بمعنى الابتسامـة ) ، الصبر علـى الشدائد ، العدل أي إن أكون معتـدلا ) كلـها تمثل الحالة المعتدلـة للنفس الإنسانية . إما الخرق (وهو كثرة الكلام ، التحرك مـن غيـر حاجة ) ، العشق (وهو الإفراط في الحب ) ، القساوة ( وهو أمر بين البغض و الشدة ) الغدر الخيانة ، إفشاء السر(وهو مركب بين الخرق و الخيانة ) ، التكبـر ، العبوس ، الكـذب ، الخبث ، الجزع ( وهو مركب بين الخرق و الحزن ) كلها تمثل الحالة الغير معتدلة للنفس .
وقد أشار أستاذ الدكتور الحارث عبد الحميد إلى الحاضر الذي يتضمن :
2.    الحاضر
العلاج النفسي بأنواعه
  أ ـ العلاج النفسي الدوائي .
  ب ـ العلاج النفسي الفيزيائي .
                   ‌ج-      العلاج النفسي الفرويدي .
                    ‌د-       العلاج النفسي اليونجي .
                    ‌ه-       العلاج النفسي الادلري .
                   ‌و-       العلاج النفسي باللعب .
                   ‌ز-       العلاج النفسي بالسايكودراما و السوسيودراما .
                   ‌ح-      العلاج النفسي بلعب الدور .
                   ‌ط-      العلاج النفسي بالاسترخاء و التأمل .
                   ‌ي-      العلاج النفسي السلوكي المعرفي.
                   ‌ك-      العلاج النفسي الإرشادي الأسنادي .
                   ‌ل-       العلاج النفسي الإجرائي .
 
كذلك وأشار الأستاذ الدكتور الحارث عبد الحميد إلى دور المستقبل في العلاج النفسي و ما هو مؤمل إن يكون عليه .
3.    المستقبل
                                ‌أ-        العلاج بالإنترنيت .
                               ‌ب-      العلاج بالفضاء .
                               ‌ج-      العلاج بالغذاء .
                                ‌د-       العلاج بالليزر .
                                ‌ه-       العلاج بهندسة الجينات أو تعديل الهرمونات   .
وقد اختتم الأستاذ الدكتور الحارث عبد الحميد محاضرته على التأكيد على دور الماضي و أصالة في العلاج النفسي ولما له دور فعال فـي الحاضر و المستقبل .
وقد تضمنت الحلقة النقاشية عرض المحور النفسي و كيف ينظر إلى موضوع العلاج النفسي و الذي شارك فيه : ـ
الاستشاري في الطب النفسي / د. علي حميد رشيد . 
الموضوع (المناهج العلاجية قديما و حديثا ) 
إذا أشار إلى إن الكثير من المناهج العلاجية التي تم التوصل إليها هي ناتجة عن التراث الفكري العربي و الإسلامي ، أذان للتبدل السريع في حياة الإنسان الدور الفاعل في نشوء الضغوط النفسية، فضـلا عـن معاناة مجتمعنا الحالية وقلة الأطباء النفسانيين و عدم الإيمان بالعلاج النفسي على العكس من الماضي كما وتمت الإشارة إلى الاهتمام بطب الأخلاق و الطب النفساني فضلا عن الاهتمام بالطب الجسمي ، وقـد أشار إلى دور الوسائل التقنية الحديثة في العلاج النفسي كالانتـرنيت ولما لها من دور في العلاج النفسي للقضاء على بعد المسافـة بيـن المعالج و المريض ، إلا إن عدم الاستخـدام الامثـل لهذه التقنيـات الحديثة و دور وسائل الأعلام أدى إلى ظهـور الكثير مـن المظاهـر الاجتماعية و النفسية الغير مرغوب فيها كظاهـرة العنف و العـزلة الاجتماعية و ضعف العلاقات بين الأفراد فضلا عن العزوف عن النمو العقـلي و المعـرفي وان هذه الظواهر ليسـت محددة الانتشار فـي مجتمعنا فقط وإنما في المجتمعات الأخرى المتقدمـة كـذلك ، وأكـد ضرورة التواصل بين معطيات الماضي ورؤى الحاضر للانطلاق إلـى حـالة الإبــداع .
ومن خلال هذه الطروحات القيمة كان هناك حوار و مناقشة و مداخلة من قبل رئيس الحلقة الدكتور غسان حسين سالم و الحضور الكرام .
وقد خرجت الحلقة النقاشية بعدد من التوصيات منها الأتي : ـ
1.   الحاجة إلى دراسات كثيرة تتناول موضوع العلاج النفسي فضلا عن الحاجة إلى أنشاء منظومة للعلاج النفسي .
2.   الحاجة إلـى التثقيـف بأهميـة العلاج النفسـي في مجتمعنا و ذلك لضرورته نتيجة للظـروف التي مرّ و يـمر بهـا أبنـاء شعبنـا .
3.   مساهمة ذوي الاختصاص من الأطباء النفسيين و علماء النفس فـي برامج التوعية و التثقيف و بناء البرامج التي تطور الثقافة النفسية .